كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{يا أيها الذين آمنوا} أي: اعترفوا بالإيمان وإن كانوا في أوّل مراتبه {اجتنبوا} أي: كلفوا أنفسكم أن تتركوا وتبعدوا وتجعلوا في جانب بعيد عنكم {كثيرًا من الظنّ} أي: في الناس وغيرهم واحتاطوا في كل ظنّ ولا تتمادوا معه حتى تجزموا بسببه.
تنبيه: أفهم ذلك أنّ من الظنّ ما لا يجتنب كما في الاجتهاد حيث لا قاطع وكما في ظنّ الخير في الله تعالى: ففي الحديث «أنا عند ظنّ عبدي بي فلا يظنّ بي إلا خيرًا» بل قد يجب كما في قوله تعالى: {لولا إذ سمعتموه ظنّ المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرًا}.
وقيل: نزلت في رجلين اغتابا رفيقهما.
وذلك أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا غزا أو سافر ضمّ الرجل المحتاج إلى رجلين موسرين يخدمهما ويتقدّم لهما إلى المنزل فيهيء لهما طعامهما وشرابهما فضمّ سلمان الفارسيّ إلى رجلين في بعض أسفاره فتقدّم سلمان إلى المنزل فغلبته عيناه فلم يهيء لهما فلما قدما قالا له: ما صنعت شيئًا، قال: لا غلبتني عينايّ، قالا له: انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطلب لنا منه طعامًا فجاء سلمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأله طعامًا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلق إلى أسامة بن زيد وقل له: إن كان عندك فضل من طعام فليعطك وكان أسامة خازن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى رحله فأتاه فقال: ما عندي شيء فرجع سلمان إليهما فأخبرهما فقالا: كان عند أسامة ولكن بخل فبعثا سلمان إلى طائفة من الصحابة فلم يجد عندهم شيئًا فلما رجع قالا له: لو بعثناه إلى بئر سميحة لغار ماؤها ثم انطلقا يتجسسان هل عند أسامة ما أمر لهما به رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما جاءا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهما: ما لي أرى خضرة اللحم في أفواهكما قالا والله يا رسول الله ما تناولنا يومنا هذا لحمًا. قال ظلتم تأكلون لحم أسامة وسلمان فأنزل الله عز وجلّ: {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرًا من الظن}.
وقوله تعالى: {إن بعض الظنّ إثم} تعليل مستأنف للأمر قال صلى الله عليه وسلم: «إياكم والظنّ فإنّ الظنّ أكذب الحديث» والإثم الذنب الذي يستحق العقوبة عليه وجعل الزمخشري همزه بدلًا من واو قال: لأنه يتم الأعمال أي يكسرها قال ابن عادل: وهذا غيره مسلم بل تلك مادّة أخرى.
قال سفيان الثوري: الظنّ ظنان: أحدهما: إثم وهو أن يظنّ ويتكلم به والآخر ليس بإثم وهو أن يظنّ ولا يتكلم به. وقوله تعالى: {ولا تجسسوا} حذف منه إحدى التاءين أي لا تتبعوا عورات المسلمين ومعائبهم بالبحث عنها قال صلى الله عليه وسلم: «لا تجسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانًا» وقال عليه الصلاة والسلام: «يا معشر من آمن بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من يتبع عورات المسلمين يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله» ونظر ابن عمر يومًا إلى الكعبة فقال: ما أعظمك وأعظم حرمتك والمؤمن أعظم عند الله حرمة منك. وقيل لابن مسعود: هل لك في الوليد بن عقبة تقطر لحيته خمرًا فقال: إنا نهينا عن التجسس وإن يظهر لنا شيئًا نأخذه به.
تنبيه:
قرأ {ولا تنابزوا} {ولا تجسسوا} و{لتعارفوا} البزي في الوصل بتشديد التاء والباقون بغير تشديد.
ولما كانت الغيبة أعمّ من التجسس قال: {ولا يغتب} أي: ولا يتعمد أن يذكر {بعضكم بعضًا} أي: في غيبته بما يكره.
قال القشيري: وليس تحصل الغيبة للخلق إلا من الغيبة عن الحق وقال أبو حيان: قال ابن عباس: الغيبة إدام كلاب الناس.
وعن أبي هريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتدرون ما الغيبة قالوا الله ورسوله أعلم قال ذكرك أخاك بما يكره قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقوله قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته» وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أنهم ذكروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا فقالوا لا نأكل حتى يطعم ولا نرحل حتى يرحل فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «اغتبتموه» فقالوا: إنما حدّثنا بما فيه قال: «حسبك إذا ذكرت أخاك بما فيه» وفي هذا إشارة إلى وجوب حفظ عرض المؤمن فإنّ تمزيق عرض الإنسان كتمزيق أديمه ولحمه كما قال تعالى: {أيحبّ أحدكم أن يأكل لحم أخيه} وقرأ {ميتًا} نافع بتشديد الياء والباقون بالسكون.
ولما كان الجواب قطعًا لا يحب أحد ذلك أشار إليه بما سببه من قوله تعالى: {فكرهتموه} أي: بسبب ما ذكر طبعًا فأولى أن تكرهوا الغيبة المحرّمة عقلًا لأنّ داعي العقل بصير عالم وداعي الطبع أعمى جاهل.
تنبيه: في هذا التشبيه إشارة إلى أنّ عرض الإنسان كدمه ولحمه لأنّ الإنسان يتألم قلبه من قرض العرض كما يتألم جسمه من قطع اللحم وهذا من باب القياس الظاهر لأنّ عرض الإنسان أشرف من لحمه ودمه، فإذا لم يحسن من العاقل أكل لحوم الناس لم يحسن منه قرض عرضهم بالطريق الأولى، لأنّ ذلك أشدّ ألمًا وقوله تعالى لحم أخيه آكد في المنع لأنّ العدوّ يحمله الغضب على مضغ لحم العدوّ وفي قوله تعالى: {ميتًا} إشارة إلى دفع وهم وهو أن يقال: إنّ الشتم في الوجه يؤلم فيحرم وأمّا الاغتياب فلا اطلاع عليه فلا يؤلم، فيقال لحم الأخ وهو ميت أيضًا لا يؤلم ومع هذا هو في غاية القبح كما أنه لو اطلع عليه لتألم فإنّ الميت لو أحس بأكل لحمه لآلمه وفيه معنى لطيف وهو أنّ الاغتياب أكل لحم الآدمي ميتًا ولا يحل أكله إلا للمضطرّ بقدر الحاجة والمضطرّ إذا وجد لحم الشاة الميتة ولحم الآدمي فلا يأكل لحم الآدمي فكذلك المغتاب إذا وجد لحاجته مدفعًا غير الغيبة فلا يباح له الاغتياب. قال مجاهد: لما قيل لهم أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا قالوا: لا قيل فكرهتموه أي كما كرهتم هذا فاجتنبوا ذكره بالسوء غائبًا. قال الزجاج: تأويله أنّ ذكرك من لم يحضرك بسوء بمنزلة أكل لحمه وهو ميت لا يحس بذلك.
قال الرازي: وفي ضمير {فكرهتموه} وجوه: أظهرها: أن يعود إلى الأكل. وثانيها: أن يعود إلى اللحم أي: فكرهتم اللحم. وثالثها: أن يعود إلى الميت في قوله تعالى {ميتًا} تقديره أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا متغيرًا فكرهتموه فكأنه صفة لقوله: {ميتًا} ويكون فيه زيادة مبالغة في التحذير يعني الميتة إن أكلت في الندرة تستطاب نادرًا ولكن إذا أنتن وأروح وتغير لا يؤكل أصلًا. فكذلك ينبغي أن تكون الغيبة وذلك يحقق الكراهة ويوجب النفرة إلى حدّ لا يشتهي الإنسان أن يبيت في بيت فيه ميت فكيف يقربه بحيث يأكله ففيه إذًا كراهية شديدة. وكذلك حال الغيبة.
وعنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «لما عرج بي مررت بقوم لهم أظافير من نحاس يخمشون وجوههم ولحومهم فقلت: من هؤلاء يا جبريل قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم» وقال ميمون بن سنان: بينما أنا نائم إذا أنا بجيفة زنجي وقائل يقول لي كل هذا قلت يا عبد الله ولم آكل هذا قال إنك اغتبت عبد فلان قلت والله ما ذكرت فيه خيرًا ولا شرًّا قال ولكن سمعت ورضيت فكان ميمون لا يغتاب أحد ولا يدع أحدًا يغتاب عنده.
وقوله تعالى: {واتقوا الله} أي: اجعلوا بينكم وبين الملك الأعظم وقاية بطاعته معطوف على ما تقدّم من الأوامر والنواهي أي اجتنبوا واتقوا الله {إن الله} أي: الملك الأعظم {توّاب} أي: مكرّر للتوبة وهي الرجوع عن المعصية إلى ما كان قبلها من معاملة التائب وإن كرّر الذنب فلا ييأس أحد وإن كثرت ذنوبه وعظمت {رحيم} يزيده على ذلك بأن يكرمه غاية الإكرام.
تنبيه: ختم سبحانه وتعالى الآيتين بذكر التوبة فقال في الأولى: {ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون} وقال هاهنا {إنّ الله تواب رحيم} لكن لما كان الابتداء في الآية الأولى بالنهي في قوله تعالى: {لا يسخر قوم من قوم} ذكر النفي الذي هو قريب من النهي وفي الثانية كان الابتداء بالأمر في قوله تعالى: {اجتنبوا كثيرًا} فذكر الإثبات الذي هو قريب من الأمر. وقوله تعالى: {يا أيها الناس} أي: كافة المؤمن وغيره {إنا} أي: على مالنا من العظمة {خلقناكم} أي: أوجدناكم من العدم على ما أنتم عليه من المقادير{من ذكر وأنثى} الآية مبين ومقرّر لما تقدّم، لأنّ السخرية من الغير وغيبته إن كان ذلك بسبب غير الدين والإيمان فلا يجوز لأنّ الناس بعمومهم كافرهم ومؤمنهم يشتركون فيما يفتخر به المفتخر، لأنّ التكبر والافتخار إن كان بسبب الغنى فالكافر قد يكون غنيًا والمؤمن فقيرًا وبالعكس.
وإن كان بسبب النسب فالكافر قد يكون نسيبًا والمؤمن مولى وعبدًا أسود وبالعكس، فالناس فيما ليس من الدين والتقوى متساوون ومتقاربون ولا يؤثر شيء من ذلك مع عدم التقوى. كما قال تعالى: {إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم} فقوله تعالى: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى} أي آدم وحوّاء فأنتم متساوون في النسب فلا تفاخر لبعض على بعض لكونهم أبناء رجل واحد وامرأة واحدة.
قال ابن عباس: نزلت في ثابت بن قيس. وقوله للرجل الذي لم يفسح له ابن فلانة فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «من الذاكر فلانة». قال ثابت: أنا يا رسول الله فقال: «انظر في وجوه القوم» فنظر فقال: «ما رأيت يا ثابت» قال: رأيت أبيض وأحمر وأسود. قال: «فإنك لا تفضلهم إلا في الدين والتقوى» فنزلت هذه الآية ونزل في الذي لم يفسح له {يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس}.
الآية وقال قتادة: لما كان فتح مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالًا حتى علا على ظهر الكعبة فأذن فقال عتاب بن أسيد بن أبي العيص: الحمد لله الذي قبض أبي حتى لم ير هذا اليوم. وقال الحارث بن هشام: أما وجد محمد أغبر من هذا الغراب الأسود مؤذنًا. وقال سهيل بن عمرو: إن يرد الله شيئًا يغيره وقال أبو سفيان: إني لا أقول شيئًا أخاف أن يخبره به رب العالمين رب السموات فأتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما قالوه فدعاهم وسألهم عما قالوا فأقروا فأنزل الله تعالى في هذه الآية وزجرهم عن التفاخر بالأنساب والتكاثر بالأموال والازدراء بالفقراء.
تنبيه: الحكمة في اختيار النسب مع أنّ غيره من جملة أسباب التفاخر ولم يذكر الأمور التي يفتخر بها في الدنيا وإن كانت كثيرة لأنّ النسب أعلاها لأنّ المال قد يحصل للفقير فيبطل افختار الغني المفتخر به عليه والسمن والحسن وغير ذلك لا يدوم. والنسب ثابت مستمر غير مقدورًا التحصيل لمن ليس له ذلك فاختاره الله تعالى للذكر وأبطل اعتباره بالنسبة إلى التقوى ليعلم منه بطلان غيره بطريق الأولى فإن قيل: إذا كان ورود الآية لبيان عدم جواز الافتخار بغير التقوى فما فائدة قوله تعالى: {إنا خلقناكم} أجيب: بأنّ فائدته أنّ كل شيء يترجح على غيره فأمّا أن يترجح بأمر فيه يلحقه ويرتب عليه بعد وجوده.
وأمّا أن يترجح عليه بأمر قبله فالذي بعده كالحسن والقوّة وغيرهما من الأوصاف المطلوبة من ذلك الشيء.
وأمّا الذي قبله فأما راجع إلى أصله الذي وجد فيه أو إلى الفاعل الذي أوجده فالأول كقولك هذا من نحاس وهذا من فضة، والثاني كقولك هذا عمل فلان وهذا عمل فلان. فقال تعالى: لا ترجيح بالنسبة إلى فاعلكم لأنكم كلكم خلق الله تعالى فإن كان عناكم تفاوت فهو بأمور تحصل لكم بعد وجودكم وأشرفها التقوى. ولما كان تفصيلهم إلى فرق كل منها يعرف به أمرًا باهرًا عبر فيه بنون العظمة فقال تعالى: {وجعلناكم} أي بعظمتنا {شعوبًا} جمع شعب بفتح الشين وهو أعلى طبقات الإنسان مثل ربيعة ومضر والأوس والخزرج {وقبائل} أي: تحت الشعوب وذلك أنّ طبقات النسل التي عليها العرب سبعة الشعب والقبيلة والعمارة والبطن والفخذ والفصيلة والعشيرة وكل واحد يدخل فيما قبله فالقبائل تحت الشعوب والعمائر تحت القبائل والبطون تحت العمائر، والأفخاذ تحت البطون، والفصائل تحت الأفخاذ، والعشائر تحت الفصائل خزيمة شعب وكنانة قبيلة وقريش عمارة وقصيّ بطن وعبد مناف فخذ وهاشم فصيلة والعباس عشيرة. قال البغوي: وليس بعد العشيرة حي يوصف ا. ه. وسمى الشعب شعبًا لتشعب القبائل منه واجتماعهم به كتشعب أغصان الشجرة والشعب من الأضداد يقال شعب أي: جمع ومنه شعب القدح وشعب أي: فرّق والقبائل واحدها قبيلة سميت بذلك لتقابلها شبهت بقبائل الرأس وهي قطع متقابلة. وقيل الشعوب في العجم والقبائل في العرب والأسباط في بني اسرائيل وقيل: الشعب النسب الأبعد والقبيلة الأقرب والنسبة إلى الشعب شعوبية بفتح الشين وهم جيل يبغضون العرب والعمائر واحدتها: عمارة بفتح العين والبطون واحدتها: بطن. والفصائل: واحدتها فصيلة. والعشائر: واحدتها: عشيرة. وقال أبو روق الشعوب الذين لا يعتزون إلى أحد بل ينتسبون إلى المدائن والقرى والقبائل العرب الذين ينتسبون إلى آبائهم.
ثم ذكر تعالى علة الشعب بقوله تعالى: {لتعارفوا} أي: ليعرف الإنسان من يقاربه في النسب ليصل من رحمه ما يحق له لا لتفاخروا {إن أكرمكم} أي المتفاخرون {عند الله} أي: الملك الذي لا أمر لأحد معه ولا كريم إلا من أخبركم بكرمه ولا كمال لأحد سواه {أتقاكم} أي: أرفعكم منزلة عند الله أتقاكم. قال قتادة: في هذه الآية أكرم الكرم التقوى وألام الؤم الفجر وقال عليه الصلاة والسلام: «الحسب المال والكرم التقوى». وقال ابن عباس: كرم الدنيا الغنى وكرم الآخرة التقوى.
وعن ابن عمر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف يوم الفتح على راحلته يستلم الأركان بمحجنه وهو عصا محنية الرأس فلما خرج لم يجد مناخًا فنزل على أيدي الرجال ثم قام فخطبهم فحمد الله وأثنى عليه فقال: «الحمد لله الذي أذهب عنكم عبية الجاهلية يعني كبرها وفخرها الناس رجل تقي كريم على الله وفاجر شقي هين على الله ثم تلا {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى} ثم قال أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم» وعن أبي هريرة قال: «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيّ الناس أكرم. قال: أكرمهم عند الله أتقاهم قالوا: ليس عن هذا نسألك. قال: فأكرم الناس يوسف نبيّ الله بن نبيّ الله بن نبيّ الله بن خليل الله قالوا ليس عن هذا نسألك قال فعن معادن العرب تسألوني قالوا: نعم. قال: خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا» بضم القاف على المشهور وحكى كسره ومعناه إذا تعلموا أحكام الشرع.
وقال صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم» قال الرازي في المراد بالآية: وجهان: الأول أنّ التقوى تفيد الإكرام. الثاني: أنّ الإكرام يورث التقوى كما يقال المخلصون على خطر والأول أشهر، والثاني أظهر فإن قيل: التقوى من الأعمال والعلم أشرف لقوله صلى الله عليه وسلم: «لفقيه واحد أشدّ على الشيطان من ألف عابد» أجيب: بأنّ التقوى ثمرة العلم لقوله تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء}.
فلا تقوى إلا للعالم فالتقي العالم أثمر علمه، والعالم الذي لا يتقي كشجرة لا ثمر لها، لكن الشجرة المثمرة أشرف من التي لا تثمر، بل هي حطب. قال الحسن البصري: إنما الفقيه العامل بعلمه أي وهو المراد من قوله صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين» ومن قوله عز من قائل {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون}.
فإن قيل: خطاب الناس بقوله تعالى: {أكرمكم} يقتضي اشتراك الكل في الإكرام ولا كرامة لكافر فإنه أضلّ من الأنعام أجيب بأنّ ذلك غير لازم مع أنه حاصل لدليل قوله تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم}.
لأنّ كل من خلق فقد اعترف بربه ثم من استمرّ عليه وزاد زيد في كرامته ومن رجع عنه أزيل عنه أكثر الكرامة {إن الله} أي: المحيط بكل شيء علمًا وقدرة {عليم} أي: بالغ العلم بظواهركم يعلم أنسابكم {خبير} أي: محيط العلم ببواطنكم لا تخفى عليه أسراركم فجعلوا التقوى رداءكم.
ولما قال تعالى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} والتقى لا يكون إلا بعد حصول التقوى وأصله الإيمان والإتقاء من الشرك.